الفلسفة الوجودية: البحث عن معنى الحياة في عالم عبثي
مقدمة
تُعد الفلسفة الوجودية من أبرز التيارات الفلسفية في القرن العشرين، إذ ركزت على الإنسان الفرد، وحريته، وقلقه، ومسؤوليته في عالم يفتقر إلى المعنى الثابت. وقد جاءت كرد فعل على أزمات الحداثة والحروب العالمية، حيث شعر الإنسان بالاغتراب واللاجدوى. هذا المقال يستعرض جذور الفكر الوجودي، أبرز رموزه، ومفهومه للحرية والمعنى والعبث.
أولاً: جذور الوجودية
1. كيركغور (1813–1855م)
يُعتبر الأب الروحي للوجودية. ربط معنى الحياة بالعلاقة الفردية مع الله، مؤكداً أن الإيمان قفزة وجودية تتجاوز العقل والمنطق.
2. نيتشه (1844–1900م)
انتقد الأخلاق المسيحية التقليدية، وأعلن “موت الإله” باعتباره رمزًا لانهيار القيم المطلقة. دعا إلى خلق قيم جديدة من خلال “إرادة القوة”، مؤسسًا لروح التمرد الوجودي.
ثانياً: الوجودية الملحدة
1. جان بول سارتر (1905–1980م)
رأى أن “الوجود يسبق الماهية”، أي أن الإنسان يوجد أولًا ثم يحدد جوهره بأفعاله.
اعتبر أن الحرية مطلقة، لكن هذه الحرية تقترن بمسؤولية ثقيلة، تجعل الإنسان “محكومًا عليه بالحرية”.
2. ألبير كامو (1913–1960م)
أبرز مفهوم “العبث” (Absurd) في كتاب أسطورة سيزيف.
اعتبر أن الحياة بلا معنى موضوعي، لكن الإنسان يستطيع أن يواجه العبث بالتمرد والوعي، لا بالاستسلام أو الانتحار.
ثالثاً: الحرية والقلق في الفكر الوجودي
الحرية ليست امتيازًا مريحًا بل عبء وجودي، إذ يتحمل الإنسان وحده مسؤولية خياراته.
القلق (Angst) عند هايدغر وسارتر هو حالة ملازمة للحرية، حيث يواجه الإنسان فراغ العالم من أي يقين مطلق.
المعنى لا يُعطى من الخارج، بل يُصنع من خلال التجربة الفردية والاختيار.
رابعاً: أثر الفلسفة الوجودية
في الأدب: أثرت في الرواية والمسرح (أعمال سارتر وكامو).
في علم النفس: ظهر العلاج الوجودي عند فيكتور فرانكل، الذي رأى أن البحث عن المعنى أساس الصحة النفسية.
في السياسة: غذّت حركات التحرر الفردي والفكري، خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
خاتمة
الوجودية ليست فلسفة مكتملة النسق بقدر ما هي صرخة إنسانية في مواجهة العبث واللايقين. لقد منحت الإنسان مكانة مركزية، مؤكدة أن الحرية هي قدره، وأن عليه أن يصنع معناه بنفسه. وفي عالم مضطرب، ما تزال الوجودية ملهمةً لكل من يبحث عن معنى شخصي في مواجهة الأسئلة الكبرى.
المراجع المقترحة
Sartre, J. P. (1943). Being and Nothingness. Gallimard.
كامو، ألبير. أسطورة سيزيف. ترجمة سهيل إدريس، دار الآداب، بيروت، 1990.